06 تشرين1 2015

طبيعة العراق - الاهوار العراقية - الصيد الجائر والقوانين المتعلقة

تشكل أهوار بلاد الرافدين ،الجزء الأكبر مساحةً من الأراضي الرطبة العراقية وهي تعتبر من أغنى المواقع الطبيعية في بلادنا تنوعاً بيئيا وأحيائياً .حيث الطيور المهاجرة في مواسم الشتاء والأخرى المستوطنة ،ومئات الأنواع من الأشنات والهائمات والأسماك والحيوانات المختلفة ولعل أهمها كليب الماء ذو الفراء الناعم .لكن ما يؤسف له عدم إدراكنا لأهمية هذه البيئة وتحديات ومخاطر وجودها!
ويقلقنا بشكل خاص الأستخدامات الضارة بالبيئة ولعل في مقدمتها الصيد الجائر للأسماك والذي يشكل عامل تهديد لتنمية هذه الثروة المهمة لإقتصاديات المنطقة ناهيك عن القيمة الغذائية لها في الأسواق المحلية .لقد غادرنا الصيد المستدام منذ زمن بعيد تجاوز ربع قرن ،ذلك الصيد الذي لا يؤدي إلى إحداث أضرار للموائل، والذي يتجنب صيد أسماك غير مرغوب بها ومن ثم رميها والتخلص منها أو إستنزاف الثروة السمكية. وقد وجدنا أنفسنا بمواجهةً أهوار أقل مساحةً ، وأكثر تلوثاً، وأوطأ مناسيب للمياه عما كان عليه الوضع حتى عام 1990 ، ومع ذلك فقد أنغمسنا في ممارسات تشكل تهديدا مباشرا لهذه الثروة ومستقبلها. لقد إبتعدنا عن المعايير الوطنية ناهيك عن المعايير العالمية في شروط الصيد ومحدداته وأدوات ممارسته .ثمة صيد بالشباك غير النظامية ،وصيد بالسموم والذي يؤثر سلباً على كافة الأحياء المائية ضمن نطاق تأثيره، والصيد بالصعق الكهربائي الذي إنتشر كالنار في الهشيم ،محطماً بيئة ثرية ، منتجة، متوازنة .فتخيل تأثير ستة آلاف فولت في محيط مائي بقطر متر مربع على السلسلة الغذائية والكائنات الحية!!
أما الصيد في موسم تكاثر الأسماك في أهوار جنوب العراق للقترة 15 شباط – 15 نيسان ، فهو بحق مسك الختام لصيادين تجاوزوا كل الخطوط الحمراء في تدهور حجم الثروة السمكية وإستدامتها .كيف ستعزز الأسماك وجودها البايلوجي ونحن نترصد لها حال خروجها من مخابئها لنشر بيوضها إستعداداً للتلقيح والتكاثر، ننصب لها الفخاخ ونطاردها بزوارق سريعة وسلال كهربائية لا ترحم. ؟!
ومنذ إغمار أهوار جنوب العراق مرةً أخرى ما بين 2003-2004 ،بعد فترة تجفيف قاسية مارسها النظام الدكتاتوري ما بين 1991 - 2003 لبيئة تشكل معلماً مهماً من النواحي البيئية والإجتماعية والثقافية والحضارية لنا وللعالم أجمع ، مورست ضدها أفعال منافية للمثل والقوانين والتعليمات البيئية والأحيائية.
تمادى كثيرون الى تمزيق أحشاءها بأدوات فيها كثير من القسوة ،متناسين وغير مدركين أنهم لن يبقوا فيها ما يلبي حاجاتهم المعيشية بعد سنوات. سيما وأن الوضع المائي المستقبلي يحمل كثيرا من إشارات التدهور والشحة، في ظل ظروف سياسة دول الجوار لإدارة ملفات المياه، والتغيّر المناخي الحاد.
من المهم جداً تعزيز القوانين والأنظمة المحلية المتعلقة بصيد الأسماك سواء كانت صادرة عن وزارة الزراعة أو وزارة البيئة أو أية جهة أخرى ذات صلة بالموضوع، بقواعد تنفيذ ورقابة صارمة حفاظاً على بيئة أهوارية تستنزف مقومات تنوعها بأستمرار، فقد أصبح وجود أسماك " الكطان" في الأهوار الوسطى وهور الحمار جزءاً من المحال. وتقلصت كميات "البني" لحدود غير معقولة. وغزت الأسماك الدخيلة بيئة تجاوزت فيها نسبة الملوحة خمسة أضعاف ملوحة مياه الشرب بموجب المقاييس العراقية. وقد يسألني القارئ مستفسرا، وما عسى الصياد أن يفعله لعائلة لا تملك سوى قوت يومها ، وأنت تطالبه بالتوقف عن الصيد لفترة تكاثر تمتد لستين يوماً؟
سؤال وجيه، ينبغي لنا تجاوزه عبر حل عملي، بأن نحث الصيادين على إنشاء جمعيات صيد ونحصي أعدادهم وتمنحهم وزارة العمل والشؤون الإجتماعية راتبا مناسبا كعاطلين عن العمل للفترة 15 شياط – 15 نيسان من كل عام. وحين ذاك تسقط كل الأعذار بكونهم مجبرين على الصيد في هذين الشهرين المهمين في تكاثر ثروة ذات قيمة إقتصادية وغذائية كبيرة لبلدنا ومواطنينا، سيما إن أسواقنا مفتوحة على مصراعيها للمواد الغذائية المستوردة من اللحوم حتى الثوم!

قراءة 6685 مرات